نقلا عن “أوكرانيا بالعربية” للمحلل السياسي الأوكراني فيتالي بورتيكوف…
صرحت الرئيس السويسرية سيمونيتا سوماروغا خلال زيارتها الرسمية المؤخرة إلى أوكرانيا بأن بلادها لا تعترف بشرعية سلطات الاحتلال الروسية بشبه جزيرة القرم الأوكرانية المحتلة، وبأنها ترى أنه من الضرورة إرسال ممثلين عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة الأمم المتحدة إلى شبه الجزيرة ينشطون في مجال حقوق الإنسان.
أنا مقتنع بأن هذه التصريحات ليست تصريحات عادية وشكلية يمكن اعتبارها جزءاً ضرورياً من البروتوكول واحتراماً للطرف المستضيف. يعتمد النهج السويسري في السياسة الخارجية إلى مبدأ الحيادية، أي الحرص على الحفاظ على المسافة في كافة النزاعات على المسرح الدولي، ولا يصرح قادتها ولا يتخذون موقفاً صريحاً إلا في حالات تتعلق بالقواعد الراسخة للقانون الدولي والمبادئ الثابتة التي يتقاسمها المجتمع الدولي برمته. عندما تتحدث رئيسة سويسرا عن عدم اعتراف بلادها باحتلال القرم، فيعني هذا بتعبير مجاز أن الشمس تشرق صباحاً وتغرب مساءاً، وأن كوكب الأرض يدور حول الشمس. صحيح أن الدستور الروسي يمكن كتابة حتى تلك الأشياء بشكل معاكس لحقيقتها تماماً وحتى المصادقة عليها بواسطة الاستفتاء، إلا أن التوقيت بالساعة السويسرية سيظل دقيقاً ولن يظهر توقيتاً ليلياً خلال النهار.
لكن أهم من ذلك هو مطالبة الرئيسة السويسرية بضرورة إيفاد ممثلي منظمات دولية في مجال حقوق الإنسان إلى القرم، ما يعني أن شبه الجزيرة يتم اعتبارها أرضاً محتلة بكشل لا لبس ولا إبهام فيه يتم انتهاك حقوق سكانها بصورة ممنهجة، وأن مراعاة حقوق الإنسان فيها بحاجة لمراقبة دولية متواصلة.
من الواضح أن روسيا ستشكك في هكذا تصريحات، لكن هذا الانطباع هو أولي فقط، فهل يمكننا القول إن القرم قد “انضم” إلى المجال الحقوقي لروسيا بالكامل خلال مرور ست سنوات منذ احتلاله؟ لا، لا يمكننا، فالقرم لا وجود فيه لشركة “سكة الحديد الروسية” والنظام المصرفي الروسي والاتصالات الخلوية الروسية ولا التواصل الدولي في مجال النقل، أي لا يوجد فيه شيء بتاتاً يرتبط بالاقتصاد العالمي. إذن لماذا نعتقد أن الكرملين لا يبالي بعواقب الاحتلال على الإطلاق؟ كلا، يبالي بها حسبما أنا مقتنع به، وإلا كان سيطالب شركات عامة وخاصة على السواء بالحضور إلى القرم.
لذلك أعتقد أن اقتراح الرئيسة السويسرية بشأن إيفاد ممثلي منظمات دولية إلى القرم هو الموقف الذي ينبغي أن تتقدم به الدبلوماسية الأوكرانية برأيي. لا بد من الإشارة هنا أن أوكرانيا لا تتمتع بحلفاء مرموقين في هذا الملف فحسب، فعندما تطلق سويسرا مثل هذه التصريحات فإنها تدرك تماماً أنها ستستطيع التوصل إلى التفاهم حول ذلك مع دول أخرى ومع المنظطات (الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة) نفسها، وحتى إن كانت إعلانات أو بيانات في البداية وليست تحركات، فلا مشكلة في ذلك لأنه عندما تحتاج روسيا لدعم دولي قد تشكل المراقبة الدولية في القرم شرطاً مهماً لهذا الدعم.
لهذا السبب تعد تصريحات سيمونيتا سوماروغا بمثابة مؤشر مفاده أن العالم لا يعتزم على تشغيل الإشارة الخضراء لعبور الدبابة الروسية التي غزت القرم، وأن احتلال روسيا للقرم ومعه الدونباس كان ويظل ملفاً هاماً على الأجندة الدولية.
المصدر: أوكرانيا بالعربية